فصل: تفسير الآيات (16- 17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (10):

{قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)}
أي اجعل لي علامة أعلم بها وقوع ما بشرت به. قال: علامتك أن تمنع الكلام فلا تطيقه، وأنت سليم الجوارح سويّ الخلق ما بك خرس ولا بكم. دل ذكر الليالي هنا، والأيام في آل عمران، على أن المنع من الكلام استمر به ثلاثة أيام ولياليهن.

.تفسير الآية رقم (11):

{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)}
أوحى: أشار عن مجاهد، ويشهد له {إِلاَّ رَمْزًا} [آل عمران: 41] وعن ابن عباس: كتب لهم على الأرض {سَبّحُواْ} صلوا، أو على الظاهر، وأَنْ: هي المفسرة.

.تفسير الآية رقم (12):

{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)}
أي خذ التوراة بجد واستظهار بالتوفيق والتأييد (الحكم) الحكمة. ومنه:
وَآحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الحَيِّ

يقال حكم حكماً كحلم حلماً، وهو الفهم للتوراة والفقه في الدين عن ابن عباس. وقيل: دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صبي فقال: ما للعب خلقنا، عن الضحاك.
وعن معمر: العقل، وقيل النبوّة، لأنّ الله تعالى أحكم عقله في صباه وأوحى إليه.

.تفسير الآيات (13- 14):

{وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14)}
{حنانا} رحمة لأبويه وغيرهما، وتعطفاً وشفقة. أنشد سيبويه:
وَقَالَتْ حَنَانٌ مَا أَتَى بِكَ ههُنَا ** أَذُو نَسَبٍ أَمْ أَنْتَ بِالحَيِّ عَارِفُ

وقيل: حنانا من الله عليه. وحنّ: في معنى ارتاح واشتاق، ثم استعمل في العطف والرأفة، وقيل لله {حنان} كما قيل: (رحيم) على سبيل الاستعارة. والزكاة: الطهارة، وقيل الصدقة، أي: يتعطف على الناس ويتصدّق عليهم.

.تفسير الآية رقم (15):

{وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)}
سلم الله عليه في هذه الأحوال، قال ابن عيينة: إنها أوحش المواطن.

.تفسير الآيات (16- 17):

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)}
{إِذِ} بدل من {مَرْيَمَ} بدل الاشتمال، لأنّ الأحيان مشتملة على ما فيها. وفيه أنّ المقصود بذكر مريم ذكر وقتها هذا، لوقوع هذه القصة العجيبة فيه. والانتباذ: الاعتزال والانفراد، تخلت للعبادة في مكان مما يلي شرقي بيت المقدس، أو من دارها معتزلة عن الناس. وقيل: قعدت في مشرفة للاغتسال من الحيض محتجبة بحائط أو بشيء يسترها، وكان موضعها المسجد، فإذا حاضت تحوّلت إلى بيت خالتها، فإذا طهرت عادت إلى المسجد، فبينا هي في مغتسلها أتاها الملك في صورة آدمي شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر سويّ الخلق، لم ينتقص من الصورة الآدمية شيئاً. أو حسن الصورة مستوي الخلق، وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه، ولو بدا لها في الصورة الملكية لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه. ودلّ على عفافها وورعها أنها تعوّذت بالله من تلك الصورة الجميلة الفائقة الحسن، وكان تمثيله على تلك الصفة ابتلاء لها وسبراً لعفتها. وقيل: كانت في منزل زوج أختها زكريا ولها محراب على حدة تسكنه، وكان زكريا إذا خرج أغلق عليها الباب، فتمنت أن تجد خلوة في الجبل لتفلي رأسها، فانفجر السقف لها فخرجت فجلست في المشرفة وراء الجبل فأتاها الملك. وقيل: قام بين يديها في صورة ترب لها اسمه يوسف من خدم بيت المقدس. وقيل: إنّ النصارى اتخذت المشرق قبله لانتباذ مريم مكاناً شرقياً الروح: جبريل، لأنّ الدين يحيا به وبوحيه. أو سماه الله روحه على المجاز محبة له وتقريباً، كما تقول لحبيبك: أنت روحي.
وقرأ أبو حيوة: {رَوْحنا} بالفتح؛ لأنه سبب لما فيه رَوح العباد، وإصابة الرَّوح عند الله الذي هو عدّة المقرّبين في قوله: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المقربين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [الواقعة: 89] أو لأنه من المقرّبين وهم الموعودون بالروح، أي مقرّبنا وذا روحنا.

.تفسير الآية رقم (18):

{قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18)}
أرادت إن كان يرجى منك أن تتقي الله وتخشاه وتحفل بالاستعاذة به، فإني عائذة به منك كقوله تعالى: {بَقِيَّتُ الله خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [هود: 86].

.تفسير الآية رقم (19):

{قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)}
أي إنما أنا رسول من استعذت به {لأهَبَ لَكِ} لأكون سبباً في هبة الغلام بالنفخ في الدرع. وفي بعض المصاحف: إنما أنا رسول ربك أمرني أن أهب لك. أو هي حكاية لقول الله تعالى.

.تفسير الآيات (20- 21):

{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)}
جعل المسّ عبارة عن النكاح الحلال، لأنه كناية عنه، كقوله تعالى: {مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] {أَوْ لامستم النساء} [النساء: 43] والزنا ليس كذلك، إنما يقال فيه: فجربها وخبث بها وما أشبه ذلك، وليس بقمن أن تراعى فيه الكنايات والآداب. والبغيّ: الفاجرة التي تبغي الرجال، وهي فعول عند المبرد (بغوي) فأدغمت الواو في الياء. وقال ابن جني في كتاب التمام: هي فعيل، ولو كانت فعولاً لقيل: (بغوّ) كما قيل: فلان نهوّ عن المنكر {وَلِنَجْعَلَهُ ءايَةً} تعليل معلله محذوف أي: ولنجعله آية للناس فعلنا ذلك. أو هو معطوف على تعليل مضمر، أي لنبين به قدرتنا ولنجعله آية. ونحوه: {وَخَلَقَ الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الجاثية: 22] وقوله: {وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الارض وَلِنُعَلّمَهُ} [يوسف: 21]. {مَّقْضِيّاً} مقدراً مسطوراً في اللوح لابد لك من جريه عليه. أو كان أمراً حقيقاً بأن يكون ويقضي لكونه آية ورحمة. والمراد بالآية: العبرة والبرهان على قدرة الله تعالى. وبالرحمة: الشرائع والألطاف، وما كان سبباً في قوّة الاعتقاد والتوصل إلى الطاعة والعمل الصالح، فهو جدير بالتكوين.

.تفسير الآية رقم (22):

{فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22)}
عن ابن عباس: فاطمأنت إلى قوله فدنا منها فنفخ في جيب درعها، فوصلت النفخة إلى بطنها فحملت. وقيل: كانت مدّة الحمل ستة أشهر.
وعن عطاء وأبي العالية والضحاك: سبعة أشهر. وقيل: ثمانية، ولم يعش مولود وضع لثمانية إلا عيسى عليه الصلاة والسلام. وقيل: ثلاث ساعات. وقيل: حملته في ساعة، وصوّر في ساعة، ووضعته في ساعة، حين زالت الشمس من يومها.
وعن ابن عباس: كانت مدة الحمل ساعة واحدة، كما حملته نبذته. وقيل: حملته وهي بنت ثلاث عشرة سنة. وقيل: بنت عشر، وقد كانت حاضت حيضتين قبل أن تحمل. وقالوا: ما من مولود إلا يستهلّ غيره {فانتبذت بِهِ} أي اعتزلت وهو في بطنها، كقوله:
تَدُوسُ بِنَا الجْمَاجِمَ وَالتَّرِيبَا

أي تدوس الجَماجم ونحن على ظهورها، ونحوه قوله تعالى: {تَنبُتُ بالدهن} [المؤمنون: 20] أي تنبت ودهنها فيها: الجار والمجرور في موضع الحال {قَصِيّاً} بعيداً من أهلها وراء الجبل. وقيل: أقصى الدار. وقيل: كانت سميت لابن عم لها اسمه يوسف، فلما قيل: حملت من الزنا، خاف عليها قتل الملك، فهرب بها فلما كان ببعض الطريق حدّثته نفسه بأن يقتلها، فأتاه جبريل فقال له: إنه من روح القدس فلا تقتلها، فتركها.

.تفسير الآية رقم (23):

{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)}
{فَأَجَاءهَا} أجاء: منقول من جاء، إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء. ألا تراك تقول: جئت المكان وأجاءنيه زيد، كما تقول: بلغته وأبلغنيه. ونظيره {آتي} حيث لم يستعمل إلا في الإعطاء، ولم تقل: أتيت المكان وآتانيه فلان. قرأ ابن كثير في رواية {المِخَاضُ} بالكسر. يقال: مخضت الحامل مخاضا ومِخاضاً، وهو تمخض الولد في بطنها.
طلبت الجذع لتستتر به وتعتمد عليه عند الولادة، وكان جذع نخلة يابسة في الصحراء ليس لها رأس ولا ثمرة ولا خضرة، وكان الوقت شتاء، والتعريف لا يخلو: إمّا أن يكون من تعريف الأسماء الغالبة كتعريف النجم والصعق، كأن تلك الصحراء كان فيها جذع نخلة متعالم عند الناس، فإذا قيل: جذع النخلة فهم منه ذلك دون غيره من جذوع النخل. وإمّا أن يكون تعريف الجنس، أي: جذع هذه الشجرة خاصة، كأن الله تعالى إنما أرشدها إلى النخلة ليطعمها منها الرطب الذي هو حرسة النفساء الموافقة لها. ولأن النخلة أقل شيء صبراً على البرد، وثمارها إنما هي من جمارها، فلموافقتها لها مع جمع الآيات فيها اختارها لها وألجأها إليها. [{قَالَتْ ياليتني مِتُّ قَبْلَ هذا}] قرئ {مِتُّ} بالضم والكسر، يقال: مات يموت ومات يمات. النسيّ: ما من حقه أن يطرح وينسى، كخرقة الطامث ونحوها، كالذبح: اسم ما من شأنه أن يذبح في قوله تعالى: {وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وعن يونس: العرب إذا ارتحلوا عن الدار قالوا: انظروا أنساءكم، أي: الشيء اليسير نحو العصا والقدح والشظاظ، تمنت لو كانت شيئاً تافها لا يؤبه له، من شأنه وحقه أن ينسى في العادة وقد نسي وطرح فوجد فيه النسيان الذي هو حقه، وذلك لما لحقها من فرط الحياء والتشوّر من الناس على حكم العادة البشرية، لا كراهة لحكم الله، أو لشدّة التكليف عليها إذا بهتوها وهي عارفة ببراءة الساحة وبضدّ ما قرفت به، من اختصاص الله إياها بغاية الإجلال والإكرام لأنه مقام دحض قلما تثبت عليه الأقدام: أن تعرف اغتباطك بأمر عظيم وفضل باهر تستحق به المدح وتستوجب التعظيم، ثم تراه عند الناس لجهلهم به عيباً يعاب به ويعنف بسببه، أو لخوفها على الناس أن يعصوا الله بسببها.
وقرأ ابن وَثَّاب والأعمش وحمزة وحفص {نسياً} بالفتح. قال الفراء: هما لغتان كالوتر والوتر، والجسر والجسر. ويجوز أن يكون مسمى بالمصدر. كالحمل.
وقرأ محمد بن كعب القرظي {نسأ} بالهمز وهو الحليب المخلوط بالماء، ينسؤه أهله لقلته ونزارته.
وقرأ الأعمش {منسيا} بالكسر على الإتباع، كالمغيرة والمنخر.

.تفسير الآية رقم (24):

{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)}
{مِن تَحْتِهَا} هو جبريل عليه السلام. قيل: كان يقبل الولد كالقابلة. وقيل: هو عيسى، وهي قراءة عاصم وأبي عمرو. وقيل: {تَحْتِهَا} أسفل من مكانها، كقوله: {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} [البقرة: 25] وقيل: كان أسفل منها تحت الأكمة، فصاح بها لا تحزني وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص {مِنْ تحتها} وفي ناداها ضمير الملك أو عيسى.
وعن قتادة: الضمير في تحتها للنخلة.
وقرأ زرّ وعلقمة: فخاطبها من تحتها.
سُئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن السريّ فقال: «هُوَ الجدولُ» قال لبيد:
فَتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ فَصَدَّعَا ** مَسْجُورَةً مُتَجَاوِر قُلاَّمهَا

وقيل: هو من السرو. والمراد: عيسى وعن الحسن: كان والله عبداً سرياً.
فإن قلت: ما كان حزنها لفقد الطعام والشراب حتى تسلى بالسري والرطب؟ قلت: لم تقع التسلية بهما من حيث أنهما طعام وشراب، ولكن من حيث أنهما معجزتان تريان الناس أنها من أهل العصمة والبعد من الريبة، وأن مثلها مما قرفوها به بمعزل، وأن لها أموراً إلهية خارجة عن العادات خارقة لما ألفوا واعتادوا، حتى يتبين لهم أنّ ولادها من غير فحل ليس ببدع من شأنها.

.تفسير الآيات (25- 26):

{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)}
{تساقط} فيه تسع قرآت: {تساقط} بإدغام التاء. و {تتساقط} بإظهار التاءين. و {تساقط} بطرح التاء الثانية. و {يساقط}، بالياء وإدغام التاء. و {تساقط} و {تسقط} و {يسقط}، و {تسقط}، و {يسقط} التاء للنخلة، والياء للجذع. ورطباً تمييز أو مفعول على حسب القراءة.
وعن المبرد: جواز انتصابه ب (هزّي) وليس بذاك. والباء في {بِجِذْعِ النخلة} صلة للتأكيد، كقوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} [البقرة: 195] أو على معنى: افعلي الهزّ به، كقوله:
يَجْرَحُ فِي عَرَاقِيبِهَا نَصْلي

قالوا: التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت، وكذلك التحنيك، وقالوا: كان من العجوة. وقيل: ما للنفساء خير من الرطب، ولا للمريض خير من العسل، وقيل: إذا عسر ولادها لم يكن لها خير من الرطب. عن طلحة بن سليمان {جَنِيّاً} بكسر الجيم للإتباع، أي جمعنا لك في السريّ والرطب فائدتين، إحداهما: الأكل والشرب، والثانية سلوة الصدر؛ لكونهما معجزتين. وهو معنى قوله: {فَكُلِى واشربى وَقَرّى عَيْناً} أي وطيبي نفساً ولا تغتمي وارفضي عنك ما أحزنك وأَهَمَّكِ. وقرئ و {قِرِّي}: بالكسر لغة نجد {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} بالهمز: ابن الرومي. عن أبي عمرو: وهذا من لغة من يقول: لبأت بالحج، وحلأت السويق، وذلك لتآخٍ بين الهمزة وحرف اللين في الإبدال {صَوْماً} صمتاً. وفي مصحف عبد الله: صمتاً.
وعن أنس بن مالك مثله. وقيل: صياماً، إلا أنهم كانوا لا يتكلمون في صيامهم، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومِ الصمت، لأنه نسخ في أمته، أمرها الله بأن تنذر الصوم لئلا تشرع مع البشر المتهمين لها في الكلام لمعنيين، أحدهما: أن عيسى صلوات الله عليه يكفيها الكلام بما يبريء به ساحتها.
والثاني: كراهة مجادلة السفهاء ومناقلتهم. وفيه أن السكوت عن السفيه واجب. ومن أذل الناس: سفيه لم يجد مسافها. قيل: أخبرتهم بأنها نذرت الصوم بالإشارة. وقيل: سوغ لها ذلك بالنطق {إِنسِيّاً} أي أكلم الملائكة دون الإنس.